صبر الله ؟
ابو اسحاق
ما كًتب عن صفة الكمال هذه اقل بكثير مما كتب عن صفات الكمال الأخرى للذات الإلهية.
مر عدد ليس بقليل من الذين اسهبوا وكتبوا في الحديث عن الصفات الإلهية على صبر الله بدون أي تعليق . ليس من السهل ان نفترض سببا لذلك, لان اناة الله هي بالتأكيد واحدة من الكمالات الإلهية وتساوي حكمتة وقوتة وقداسته, ولها نفس الحق في الاعجاب والاحترام.
صحيح ان التعبير الفعلي ليس موجودا في فهرست الكتاب المقدس بكثرة مثل الصفات الأخرى, لكن مجد هذه النعمة نفسها يلمع تقريبا على كل صفحات كلمة الله. من المؤكد اننا نخسر كثيرا ان لم نتأمل باستمرار في صبر الله ونصلي بأخلاص ان تتشكل قلوبنا وطرقنا بالكامل على هذا النحو.
في الاغلب السبب الرئيسي لعدم كتابة كثير من الكتاب بصورة منفصلة أي شيء عن صبر الله هو بسبب صعوبة تمييز هذه الصفة عن صلاح الله ورحمته.
يتم ذكر “أناة الله” متصلة مع نعمته ورحمته كثيرا, كمال في:
- خروج ٣٤: ٦
- مزمور ٨٦: ١٥
ان صبر الله هو اعلان عن رحمته, فهذه في الواقع طريقة كثيرا ما تستخدم لاظهاره, هذا امر لا يمكن انكاره, لكن انهما نفس الصفة السامية, ولا يمكن التمييز بينهما, لكن كلمة الله تضمن لنا هذه تماما, وذلك عن طريق توقع بعض الأمور من الواحدة ولا نتوقعها من الأخرى.
كتب ستيفن شارنوك, تعريفا لصبر الله, جزئيا:
” انه جزء من صلاح الله ورحمته, لكنه يختلف عن الاثنين. الله الذي هو اعظم صلاح, له أعظم لطف, اللطف هو دائما رفيق الصلاح الحقيقي, وكلما زاد الصلاح, زاد اللطف. من هو قدوس كالمسيح, ومن في لطفه؟ ينبثق بطء غضب الرب من رحمته:
” الرب حنان ورحيم وطويل الروح” مز١٤٥ : ٨ . انه يخلف عن الرحمة في الاعتبار الرسمي للموضوع, ترى الرحمة المخلوق بائسا, يرى الخطية التي ولدت البؤس, والتي تلد غيرها.”
لهذا يمكنني ان اعطي هذا التعريف للصبر الإلهي:
الصبر الإلهي هو تلك القوة على ضبط النفس التي يمارسها الله على ذاته, والتي تجعله يتحمل الأشرار ويتمهل كثيرا في عقابهم. في ناحوم ١: ٣ نقرأ ” الرب بطيء الغضب وعظيم القدرة”
وهذا يؤكد ماقاله السيد تشارنوك:
” عظماء العالم سريع الغضب, وليسوا على استعداد ان بغفروا الإساءة, او يتحملوا الإهانة, ممن هم اقل منهم قدرا. عدم وجود القوة على التحكم في النفس هي التي تجعل الشخص يقوم بعمل أشياء غير لائقة حين يثار غضبه . الأمير الذي يمكنه كبح عواطفه هو ملك على ذاته كما هو على رعاياه . الله بطيء في الغضب لأنه عظيم في القوة . أن له نفس القوة على نفسه كما هي على مخلوقاته.
هذه النقطة السابقة ، كما نعتقد ، هي التي تميز صبر الله بوضوح عن رحمته . رغم أن المخلوق هو المستفيد من هذا ، لكن صبر الله يراعي بصورة رئيسية ذات الله ، هو قد وضعته إرادته على أعماله ، بينما تستقر رحمة الله بالكامل على المخلوق . صبر الله هو صفة السمو هذه التي تجعل الله يتحمل إساءات كبيرة دون أن ينتقم لنفسه في الحال . إن له قوة على الصبر لا تقل عن قوته على العدل . وهكذا نجد الكلمة العبرية التي تصف طول أناة الله هي طويل الروح ” في نحميا ۹ : ۱۷ ، مزمور ۸ : ۱۰۳ . ليس معنى هذا أن طبيعة الله ليس بها غضب ، بل أن حكمة الله وإرادته يسرها أن تعمل بهذا الجلال وهذه الرصانة اللذان يصبحان جلالته المتعالية .
تأييدا لتعريفنا السابق دعونا نوضح أن هذه الصفة السامية هي التي التمسها موسى في شخص الله ، حين أخطأ شعب ب إسرائيل بشكل فادح عند قادش برنيع ، وهناك أغضبوا يهوه غضبا مريرا . قال الرب لعبده ، سأضربهم بالوباء وأحرمهم من ميراثهم . وهنا قال الوسيط الذي يعد مثالا للمسيح المتجسد الآتي ، فالآن لتعظم قدرة سيدي كما قلت : الرب طويل الروح ( عد 14 : 17 ) . وهكذا ، طول أناة الله هو ” قوته على ضبط النفس .
” اله الصبر” ( رو ١٥: ٥) هو احد القاب الله. يسمى الله هكذا:
أولا: لانه هو رئيس وموضوع نعمة الصبر في القديس.
ثانيا: لانه هو هكذا في نفسه: الصبر هو احد كمالاته.
ثالثا: كنموذج لنا: ” فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين احشاء رأفات, ولطفا, وتواضعا, ووداعة, طول اناة” (كو١٢:٣)
وأيضا, ” فكونوا متمثلين ( مقلدين) بالله كأولاد أحباء” (اف ٥: ١) .
حين تواجه تجربة ان تتعالى على غباء شخص اخر, او ان تنتقم لنفسك من شخص اخطأ في حقك, تذكر صبر الله غير المحدود وطول اناته عليك.
يظهر صبر الله في تعاملانه مع الخطاة.
كما أن صبر الله على العالم اليوم عجيب! من كل صوب يأثم الناس بشدة, انهم يدوسون القانون الإلهي تحت اقدامهم ويحتقرون الله نفسه علنا.
وماذا عنا ؟
فلنراجع حياتنا. لم يكن بوقت بعيد اننا مشينا وراء الجموع لفعل الشر. ولم نكن نبالي بمجد الله, وعشنا لارضاء انفسنا.
كم كان الله صبورا ان تحمل سلوكنا الدنيء! والان بعد ان انتشلتنا النعمة كجمر من النار, واعطتنا مكانا في بين الله, ومنحتنا مبراثا ابديا قي المجد.
كم نرد الصنيع لله بالشح١ با لضحالة شكرنا, يا لتردي طاعتنا, يا لكثرة سقطاتنا! من أسباب سماح الله ببقاء” الجسد” في المؤمن انه يعلن انه:
” يتأنا علينا ” (٢بطرس ٣: ٩ ) حيث ان هذه الصفة الإلهية لا تعلن الا في هذا العالم, فالله يستخدمها في إعلانها لشعبه.
فليكن تأملنا في صفة التميز الإلهي هذه يلين قلوبنا, ويجعل ضمائرنا اكثر رقة. ولنتعلم في مدرسة الاختبار المقدس صبر القديسن. وتحديدا الخضوع للإرادة الإلهية.
” فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل” (متى ٥: ٤٨). في السياق المباشر يحثنا المسيح ان نحب اعدائنا ونبارك لاعنينا, ونحسن الى من يسيؤون الينا. ان الله يحتمل الأشرار كثيرا بالرغم من عظم حجم خطيتهم,
فهل نطلب نجن الانتقام بسبب إساءة وحدة؟