الإنجيل هو الخبر السار الذي يقدمه الله.
يقدِّمُ الإنجيلُ للجنس البشري إعلاناً مكتوباً واضحاً من الله عن كيف “نخلص” من جهنم ونتمتع بالحياة الأبدية مع الله عز وجل. إن كلمة “إنجيل” لا تشير إلى كتاب أنـزله الله على يسوع؛ ولكنها تشير إلى الأخبار السارة عن محبة الله لجميع الناس، والتي انسكبت علينا من خلال يسوع المسيح.
الإعلان الحي الآتي من الله:
نعلم من خلال قراءتنا لبشارة الإنجيل أن يسوع المسيح هو شخص حي وهو إعلان الله الكامل للجنس البشري (عبرانيين 1: 1-4). ونقرأ في الإنجيل أن “يسوع كان يطوف الجليل يعلّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب” (متى 4: 23). وفيما بعد كلَّفَ يسوعُ رسلَه المؤيدين بالروح القدس بالإرسالية العظمى، وهي توصيل الأخبار السارة للأمم الأخرى وإلى أقصى أطراف الأرض (أعمال 1: 8 ومتى 28: 18-20).
الوحي الإلهي يأتي عن طريق الروح القدس:
هناك “إنجيل” واحد ومسيح واحد. وقد ألهم الله رسل المسيح، عن طريق هداية الروح القدس وإرشاده، لكي يكتبوا لنا عن شخص يسوع المسيح الفريد وعن حياته وتعاليمه السامية. فالكتاب المقدس يعلن أن “كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح” (2تيموثاوس 3: 16-17). ومعنى هذه الآية أن الله “نفخ” بكلماته وأفكاره من خلال رسله المختارين. فالله هو الكاتب والمؤلف لرسالة الإنجيل بكل ما فيها من عقائد وتعاليم. “وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسنا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم. عالمين هذا أولاً أن كل نبوة ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بطرس 1: 19-21).
يشرح لنا المفسر المسيحي دافيد شنك David W. Shenk معنى “الوحي الإلهي” فيقول:
“إن الوحي الإلهي لا يعني الإملاء الإلهي. ولا يعتقد المسيحيون أن الأنبياء الذين نطقوا بكلمات الله أو كتبوها كانوا في حالة غيبوبة. فلم تكن عقولهم غائبة عن الوعي بينما كانت كلمات الوحي تتدفق من خلالهم. ففي جميع نبوات الكتاب المقدس نجد التباين الواضح بين مختلف الأنبياء من حيث الشخصية؛ فالوحي الإلهي لا يلغي الجانب البشري المتمثل في شخصية النبي المستخدم أثناء عملية الوحي. فهناك بصمات واضحة لكل نبي من الأنبياء بشخصيته الإنسانية المتميزة وطابعه البشري الواضح في ثنايا نبوات الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس هو وحي إلهي رائع في قالب لغوي وبشري وطابع فكري إنساني؛ فهو ملحمة درامية فريدة يعلن فيها الله عن ذاته لأشخاص الأنبياء الموحى لهم، معبراً عن ذاته في أسلوب بشري وبلغة إنسانية”.*
أربعة جوانب لبشارة الإنجيل ولكنها لجوهر واحد موحى به من الله:
فالكتب الأربعة التي كتبها تلاميذ المسيح، متى ومرقس ولوقا ويوحنا، هي شهادة حقيقة عن حياة السيد المسيح وتعاليمه. فقد أكّد يسوع المسيح أن الروح القدس سيقودهم في كتابة سطور الوحي المبارك. “وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم” (يوحنا 14: 21). أنظر أيضاً يوحنا 16: 13؛ لوقا 1: 1-4؛ 2بطرس 1: 16-21.
عزيزي القارئ، عندما تدرس “بشارة يوحنا” فإنك تدرس الخبر السار لملكوت الله كما علّمه يسوع بحسب صحة رواية البشير يوحنا. فقد كان يوحنا رفيقاَ حميماَ ليسوع المسيح.
فكلٌّ من الكُتّاب الأربعة يقدم جانباً مختلفاً من شخصية يسوع المسيح. فمتى يقدِّمُ يسوعَ بوصفه “الملك”. ومرقس يقدم يسوع “الخادم”؛ ولوقا يقدم يسوع “الإنسان الكامل”. أما يوحنا فيقدم يسوع بوصفه “ابن الله”، وهو شاهد عيان لموت يسوع وقيامته.
لاحظ أن الرسول يوحنا يؤكد لنا أن الرسل قد تمشوا مع يسوع وتحدثوا معه شخصياً:
“الذي كان من البدء الذي سمعناه ورأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة قد أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به…” (1يوحنا 1: 1-3).
فجميع التلاميذ كتبوا رسالة واحدة، ألا وهي “الخبر السار” أي بشارة الإنجيل التي قدمها يسوع للعالم أجمع. لقد تنبأ يسوع 17 مرة عن انتشار الإنجيل (متى 24: 14؛ 26: 13؛ لوقا 21: 33 وأعمال 1: 8).
وبالإضافة للبشائر الأربعة التي تصف الإنجيل من جوانب مختلفة، نجد أن العهد الجديد يحتوي أيضاً على تعاليم إلهية موحى بها، كتبها الرسل تلاميذ المسيح لمجموعات مختلفة من المسيحيين ولكل المؤمنين (مثل 1كورنثوس 2: 14). وحتى القرآن يقر ويعترف أن الله قد أوحى لرسل كثيرين: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” (سورة الأنبياء 7).
فعلى سبيل المثال يخبرنا بطرس الرسول أن الرسل كانوا شهود عيان لحياة المسيح. فقد أعلن بطرس: “لأننا لم نتبع خرافات مصنّعة إذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته” (2بطرس 1: 16).
ولقد حث الرسل، مراراً وتكراراً، الشعبَ آنذاك على التحقق من حياة وموت وقيامة السيد المسيح وتعاليمه عن طريق سؤال مئات من الشهود العيان الذين عاصروا كل هذه الأحداث. (أنظر أعمال 2: 22-24؛ 5: 30-32؛ 26: 25-26؛ لوقا 1: 2).
ولعلك تعجبتَ، عزيزي القارئ، من وجود العديد من الترجمات (الطبعات) للكتاب المقدس. فالمسلم لا يعتد بأي ترجمة للقرآن ويقدس النص العربي فقط، ولا يعامل أي ترجمة بوصفها كلمة الله. أما المسيحيون فيعتبرون صحة الترجمات المختلفة للكتاب المقدس طالما تقدم بأمانة التعاليم والمعاني المتضمنة في اللغات الأصلية.
صديقي الاخر، إن أهم برهان على أن الإنجيل هو كلمة الله الموحى بها تجده عندما تقرأ مصلياً. فسيتكلم الله حقاً إليك من خلال صفحات كلمته المقدسة- وسيغير حياتك!
الكنيسة العربية في انتويربن 2021