لماذا أحبنى الله؟ أنا لا أعرف سببا، ولم أكن أطمع فى هذه المحبة. أنا الذى كنت و مازلت أمقت الكثير من تصرفاتى. أنا الذى قد يغرك مظهرى و ملبسى و كلامى، لكن من خلف هذه كلها تختفى أمور كثيرة مخجلة ومزرية لا تعلمها أنت، ولا يعلمها غيرك من الناس.
صحيح أنا لم أقتل، لكنى حقدت و اشتهيت و أبغضت حسدا و أفرطت بشفتىّ. لم أسرق ولم أشهد شهادة زور، ولكنى كم من نظرة اختلستها، وكم من كلمة استرقتها، وكم من كذبة اختلقتها؟ وهل أعدد لك صفاتى الرديئة؟ وهل تكفينى صفحات هذا الكتاب؟….
أيها القارئ انى خبير بالشر منذ حداثتى. ودعك من الخطايا والشرور التى لم أفعلها، فلو أن الفرصة سمحت لى لفعلتها كغيرها بنفس الرغبة وبنفس الروح. ومن حين الى حين أعود وأفعل ما ندمت على فعله مرات.
ويوما بعد يوم أقلب صفحات من كتاب حياتى مجللة بالسواد. لم يمض يوم واحد علىّ لم أقع فيه فى خطأ بالرغم منى أو برضاى.
أشعر بشئ كثير من الجهل والحماقة فى داخلى. أنا ضعيف مغلوب سواء من خطايا كبيرة أو صغيرة. وفى قلبى جفاف و على عينىّ غشاوة، و برودة الشعور تكاد تجعل من حياتى طعاما سخيفا.
آه… أنا أشهد عن نفسى، واعتراف المرء على نفسه يعتبر فى عرف الناس شهادة لا تنقضها شهادة الغير. هى شهادة صادقة، ولكن الله يعرف كم أنا خاطئ. هو يعرف فكرى من بعيد.السهوات و الخطايا المستترة عرفها واحدة فواحدة. ذرّى مربضى. اختبرنى و عرف ما فى داخلى. و أنا بجملتى مكشوف و عريان لديه، و رغم كل هذا قد أحبنى! و لماذا أحبنى الله؟ لماذا وأنا هكذا أحبنى و مال قلبه الىّ؟؟ هل من جواب؟ الجواب على ذلك أنه لا يستطيع- تبارك اسمه- الا أن يحب لأنه الله محبة.
الله قد أحبنى! يا له من أمر عجيب يدعو الى الدهشة!!! الله…. فى قداسته و طهارته. الله الذى هو نور. الله فى هيبته و جلاله و عظمته و كماله قد ارتضى أن يحب شخصا مثلى نجسا مهلهل الأخلاق. حقا لو لم أكن أشعر بحرارة هذه المحبة، و لو لم أحصر بها، و لو لم أكن قد تذوقتها و شبعت منها بل وروت فىّ عطشا شديدا، ما كنت أصدق هذا الخبر.
ابو إسحاق